المقدمة
يمثل الغياب المتكرر للعاملين تحديًا كبيرًا لأصحاب العمل، حيث يتخذ شكلين رئيسيين: الغياب المبرر، كالمرض أو الظروف الطارئة المتوافقة مع الأنظمة والقوانين؛ والغياب غير المبرر الذي يحدث بدون إذن مسبق أو أسباب مقنعة، مما يعطل الإنتاجية ويضر بالمصلحة التجارية. في هذا المقال، سنبحث كيفية مواجهة هذه الحالات، والإجراءات القانونية المتبعة لحماية حقوق كل من العامل وصاحب العمل، مع الإشارة إلى حالات قضائية مثالية تسلط الضوء على تطبيقات هذه القواعد والتوجهات القضائية في مثل هذه القضايا.
تُعتبر قضية الغياب الموظفين عن العمل إحدى القضايا المحورية التي تطرح تحديات أمام العلاقة بين العامل وصاحب العمل. يحدث الغياب لأسباب متنوعة مثل الإصابات الصحية، الأزمات العائلية، أو ظروف قاهرة، ويمكن أن يؤثر بشكل مباشر على إنتاجية المؤسسة وكفاءتها العملية. من هنا تأتي أهمية القوانين التي تحكم هذه العلاقة وتوضح حقوق وواجبات كل طرف.
الفقرة الأولى: ما هي الحالات التي يسمح فيها القانون للعامل بالغياب عن العمل
يُعطي القانون الفلسطيني الحق للعاملين في الغياب عن العمل تحت ظروف معينة وضمان حقوقهم دون خوف من خسارة وظائفهم. تشمل هذه الظروف ما يلي:
- حالات الطوارئ الشخصية والعائلية: يتيح القانون المجال للعاملين في الغياب بسبب ظروف طارئة تتطلب حضورهم الشخصي، مثل وفاة قريب حتى الدرجة الثانية، حيث نص القانون على أن العامل يستحق إجازة لمدة ثلاثة أيام بأجر كامل عند وفاة أحد الأقارب حتى الدرجة الثانية.
- المشاكل الصحية: يحق للعامل الحصول على إجازة مرضية إذا تم تأكيد حاجته للراحة بتقارير طبية معتمدة، ويُعطى العامل إجازات مرضية مدفوعة الأجر تصل إلى أربعة عشر يومًا وفقًا للمادة (79) من قانون العمل الفلسطيني، أربعة عشر يوما إضافية بنصف أجر إذا دعت الحاجة.
- التغيب لأسباب عارضة: يتيح القانون المجال للعاملين فيه لأسباب عرضية أن يغيب لأسباب عارضة مثبتة لمدة تصل إلى عشرة أيام في السنة، وفقًا للمادة (78)، مع الأخذ في الاعتبار أن مدة التغيب لا تتجاوز ثلاثة أيام متتالية.
ضمانات قانونية وتعويضات في حالات الفصل خلال الغياب المبرر
في الوقت نفسه، يقدم القانون الفلسطيني حماية للعاملين من خلال تأمينهم بحقوق وتعويضاتهم عند التعرض للفصل أثناء غيابهم المبرر. إذا قرر صاحب العمل إنهاء الخدمة خلال فترة غياب العامل المُجازة قانونياً، يكون للعامل الحق في المطالبة بتعويضات تشمل التعويض عن الفصل التعسفي، بالإضافة إلى مكافأة نهاية الخدمة وبدل الاشعار. هذه الإجراءات تضمن تحقيق العدالة للعامل وتحافظ على حقوقه في مواجهة التحديات التي قد تنشأ في مكان العمل.
الفقرة الثانية: ما هي الحالات والشروط التي تجيز لصاحب العمل إنهاء عقد العمل عند تغيب العامل
القانون الفلسطيني، مثل العديد من الأنظمة القانونية، ينص على آليات محددة تتيح لصاحب العمل إنهاء عقد العمل إذا تغيب العامل عن العمل دون عذر مقبول. إليكم السيناريوهات المختلفة التي تسمح لصاحب العمل بالإقدام على هذه الخطوة، مع شروطها والكيفية التي يجب أن تتم بها:
التغيب المتتالي دون عذر لأكثر من سبعة أيام
الشرط: العامل تغيب لمدة تزيد عن سبعة أيام متتالية دون تقديم عذر مقبول.
شعار مسبق: صاحب العمل يجب أن يرسل إشعارًا كتابيًا للعامل بعد الغياب لثلاثة أيام.
الإجراء: يمكن لصاحب العمل بعد اليوم السابع البدء بإجراءات إنهاء العقد.
التغيب المتقطع لأكثر من خمسة عشر يومًا متقطعة خلال سنة واحدة
- الشرط: تغيب العامل لمدة تتجاوز خمسة عشر يومًا متقطعة في السنة.
- إشعار مسبق: صاحب العمل يجب أن يرسل إشعارًا كتابيًا للعامل بعد الغياب لعشرة أيام متقطعة.
- الإجراء: يجوز لصاحب العمل بعد تجاوز الخمسة عشر يومًا البدء بإجراءات الفصل.
الإجراءات القانونية التي يجب على صاحب العمل اتباعها في حال قيامه بفصل العامل بسبب التغيب
من الضروري لصاحب العمل، قبل البدء في إجراء فصل العامل بسبب الغياب غير المبرر، أن يتبع الإجراءات القانونية المنصوص عليها في قانون العمل الفلسطيني. تتطلب هذه الإجراءات تثبيت الغياب غير المبرر وإعطاء العامل فرصة لتقديم تبريراته أو دفوعه. كما يجب على صاحب العمل توجيه إشعار مسبق يطلب فيه من العامل العودة للعمل. إذا ما تم الفصل دون اتباع هذه الإجراءات، قد يعتبر الفصل تعسفياً ويحق للعامل المطالبة بالتعويضات المناسبة.
احكام قضائية على التغيب
الحالة الأولى: إنهاء مبرر (حكم محكمة النقض الفلسطينية رقم 234/2020)
في النزاع القانوني بين العامل إيهاب وشركته السابقة (NAPCO) حول ما إذا كان فصله من العمل قد تم بشكل تعسفي أو مبرر. ادعى إيهاب أن الشركة قد انتهكت حقوقه العمالية بفصله دون مبرر قانوني وطالب بتعويضات عن الفصل التعسفي. من جانبها، دافعت الشركة عن قرارها مشيرة إلى أن إيهاب قد تغيب عن العمل بشكل متكرر ودون عذر مقبول، مما يعطيها الحق في إنهاء العقد وفقًا للقوانين المعمول بها.
قدمت الشركة ادلتها والتي أظهرت أنها قد اتبعت جميع الخطوات القانونية المطلوبة قبل اتخاذ قرار الفصل، بما في ذلك محاولات إعادة العامل إلى وظيفته. وفقًا للمادة 40(4) من قانون العمل، إذا لم يُبرر العامل غيابه المتكرر، فإن للشركة الحق في إنهاء الخدمة بشكل قانوني. وقد رأت المحكمة أن هذه الظروف تنطبق على حالة إيهاب، ما يجعل فصله مبررًا وشرعيًا
الحالة الثانية: إنهاء غير مبرر (حكم محكمة النقض الفلسطينية رقم 153/2017)
(في هذا الحكم، ناقشت محكمة النقض الفلسطينية الشروط القانونية للفصل الصحيح والتعسفي للموظفين، مع التركيز بشكل خاص على قانون العمل والنظام الداخلي للبنك الإسلامي الفلسطيني. تحدد المواد 35 و36 من النظام الداخلي للموظفين أنه يجب على البنك إرسال إنذار خطي عبر البريد المسجل لأي موظف يتغيب عن العمل دون عذر مقبول لمدة ثلاثة أو عشرة أيام، على التوالي. وقد وجدت المحكمة أن البنك لم يتبع هذه الإجراءات بشكل صحيح في حالة الموظفة ولذلك اعتبرت فصلها غير قانوني وتعسفي.)
خاتمة
الغياب غير المبرر من قبل العامل عن العمل يمنح صاحب العمل الحق في انهاء العمل للعامل دون اعتبار الفصل من العمل فصلا تعسفيا بشرط عند تغيبه دون عذر مقبول أكثر من سبعة أيام متتالية، أو أكثر من خمسة عشر يوماً متقطعة خلال السنة الواحدة، على أن يكون قد أنذر كتابياً بعد غياب ثلاثة أيام في الحالة الأولى أو عشرة أيام في الحالة الثانية.
المصادر والمراجع
قانون العمل الفلسطيني رقم (7) لسنة 2000م
أحكام محكمة النقض الفلسطينية